في ظل أوضاع محلية وإقليمية معقدة وحساسة، جاء “ملتقى الاتحاد الوطني الكردستاني” خطوةً جريئة لا يقوى على اتخاذها سوى حزب واثق من قواعده، ومنفتح على تطوير ذاته بما يتلاءم مع متطلبات العصر. ففي بيئة سياسية لا تزال رهينة القرارات الفردية والتوجهات الفوقية، أثبت الاتحاد الوطني أنه حزب يمتلك شجاعة المراجعة الذاتية، والإيمان بالعمل الجماعي كرافعة أساسية للاستمرار والتجدد.
لقد بات هذا الملتقى تقليداً حزبياً راسخاً يُحسب للاتحاد الوطني، حيث انتقل الحزب من الاعتماد على التعليمات والأوامر الصادرة من أعلى الهرم إلى إشراك جميع منتسبيه ومؤيديه، بمختلف مستوياتهم التنظيمية والوظيفية، في رسم ملامح مستقبل الحزب، وتحديد مهامه الاستراتيجية والمرحلية.
ما يميز هذه المبادرة أنها تجاوزت النمط التقليدي للأحزاب الكلاسيكية، التي عادةً ما تتجنب تعريض نفسها للنقد الداخلي أو المساءلة الجماعية. الاتحاد الوطني الكردستاني، بهذه الخطوة، وجه رسالة واضحة: أن صلابة الحزب لا تأتي من الجمود، بل من القدرة على التجدد وإعادة بناء الذات بروح جماعية.
في هذا السياق، لم يعد القرار الحزبي مقتصراً على النخبة أو الدائرة الضيقة، بل أصبح نتاج نقاش موسع، يشارك فيه الجميع، من القيادات العليا إلى قواعد الحزب الفاعلة في المدن والبلدات والقرى. هكذا، يجري اليوم إعادة صياغة الهيكلية التنظيمية، وإعادة تحديد الأهداف، وتطوير السياسات بما يتناسب مع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية.
إن هذه التجربة الفريدة تعزز ثقة الجماهير بالاتحاد الوطني الكردستاني، وتكرس صورته كحزب حيوي وقادر على تجديد أدواته السياسية والتنظيمية دون أن يفقد جوهره وهويته. وهي في الوقت ذاته تحدٍ كبير، لأن توسيع دائرة القرار يتطلب إدارة رشيدة وحواراً مسؤولاً، قادرين على بلورة رؤية موحدة رغم تعدد الآراء والمقاربات.
في النهاية، يبدو واضحاً أن الاتحاد الوطني الكردستاني، من خلال هذا الملتقى، لا يرسم فقط ملامح مستقبله كحزب، بل يقدم نموذجاً جديداً لكيفية ممارسة السياسة بطريقة أكثر ديمقراطية وعصرية في كردستان والعراق عموماً.
Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP