تُعزى قدرة الإنسان على التفكير النقدي إلى تطور قدراته العقلية واللغوية والاجتماعية عبر الزمن، مما مكنه من تحليل المواقف وفحص المعلومات بطريقة دقيقة وممنهجة، الانسان نتيجة التطور البيولوجي والعصبي صار يمتلك دماغًا معقدًا وبنية عصبية متطورة تسمح له بالتفكير التجريدي وحل المشكلات بطريقة مبتكرة، مما يجعله قادرًا على تقييم المواقف والتفكير النقدي مقارنةً بالحيوانات الأخرى، كذلك القدرات اللغوية والتي تعتبر وسيلة أساسية للتفكير والنقاش فهي لا تسمح فقط بالتواصل بل أيضًا بتشكيل الأفكار وتحليلها مما يعزز القدرة على التفكير النقدي والمراجعة الذاتية كذلك قضية التعلم الاجتماعي والثقافي حيث يشكل التفاعل مع المجتمع والتراث الثقافي جزءًا كبيرًا من تطور التفكير النقدي ومن خلال الحوار والتعليم والتجارب المتبادلة يتمكن الفرد من تبني وجهات نظر متعددة وتحليل المعلومات من مصادرها المختلفة، واهم ركن هو الوعي الذاتي اذ يتميز الإنسان بقدرته على الوعي بذاته وبأفكاره ، ما يتيح له مراجعة معتقداته وتعديلها بناءً على معطيات جديدة أو تجارب مختلفة بذلك فإن التفكير النقدي لدى الإنسان لا يقتصر على القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة فحسب، بل يشمل أيضًا القدرة على التشكيك في المعلومات والبحث عن أدلة تُدعم أو تنفي فرضيات معينة، مما يُعد سمة مميزة تساهم في التطور العلمي والثقافي للمجتمعات،التفكير النقدي هو عملية عقلية معقدة تعتمد على التحليل المنطقي، والتقييم الموضوعي، واتخاذ القرارات بناءً على الأدلة لكن تحت وطأة التعذيب تتعرض هذه القدرات لاضطرابات شديدة بسبب الآثار الجسدية والنفسية التي يفرضها السياق ومن أبرز التأثيرات:
١. تأثيرات فسيولوجية على الدماغ: تفعيل نظام "الكرّ أو الفرّ حيث يؤدي التعذيب إلى إفراز هرمونات التوتر (مثل الأدرينالين والكورتيزول)، مما يُضعف وظائف القشرة الأمامية الجبهية (المسؤولة عن التفكير العقلاني واتخاذ القرارات) ويعزّز نشاط اللوزة الدماغية (مركز الخوف والردود الانفعالية) الألم الشديد والرعب يُشتتان الانتباه، مما يُصعّب معالجة المعلومات أو تذكر التفاصيل بدقة.
٢. تأثيرات نفسية وسلوكية: منها الانهيار العاطفي فيدفع التعذيب الضحية إلى الاستسلام للغريزة البدائية للبقاء (مثل الاعتراف الكاذب أو الموافقة على أي شيء لوقف الألم)، بدلًا من التفكير النقدي، فعندما يُستخدم التعذيب كأداة للسيطرة، قد تفقد الضحية إيمانها بقدرتها على تغيير الواقع عبر التفكير، وتفقد الثقة في المنطق مما يُضعف الدافع لتحليل الأمور .
٣. تشويه الإدراك واتخاذ القرار: تحيزات معرفية وتظهر على شكل استجابات غير عقلانية، مثل التركيز على تفادي الألم قصير المدى بدلًا من تقييم العواقب طويلة المدى. حتى لو حاولت الضحية التفكير، فإن الضغط الشديد قد يؤدي إلى استنتاجات خاطئة أو تناقضات، كما أن المعلومات التي يُجبر الشخص على تقديمها تحت التعذيب غالبًا ما تكون غير دقيقة.
٤. آثار طويلة المدى: اضطراب ما بعد الصدمة: وهي تقريبا الهدف من الاعتقال والتعذيب حتى يستمر ضعف القدرات العقلية (مثل الذاكرة والتركيز) حتى بعد توقف التعذيب مما يؤثر على التفكير النقدي بل حتى الخوف من الكلام مع الاخرين حول القضية، وبذلك يفقد الضحايا الثقة في معاييرهم الأخلاقية أو الفكرية، مما يُضعف قدرتهم على النقد الذاتي أو الموضوعي لانه تم تشويه الهوية والقيم في ذاتهم ،التعذيب ليس فقط مُدمّرًا للفرد، لكنه أيضًا غير فعّال في استخراج معلومات دقيقة، حيث تُقدّم الضحايا أي إجابة لإنهاء المعاناة، مما يُفقد العملية مصداقيتها أخلاقيًا وعمليًا التعذيب يُحوّل الإنسان من كائن عاقل إلى كيان يائس يركز على البقاء الفوري، مما يُعطّل التفكير النقدي بشكل جذري. بدلًا من كسر "الإرادة"، يكسر التعذيب القدرة على التفكير مما يجعله أداة قمعية لا إنسانية وغير عقلانية والفكرة المركزية للكتاب كيف يتم تحويل الإنسان إلى "حيوان" عبر القمع والاستبداد ، اذ يركز الكتاب فكرته كيف تُفقد الإنسانية تحت وطأة الأنظمة الاستبدادية، حيث يُجرد الفرد من قيمه وكرامته، ويُختزل إلى كائن يهتم بالبقاء فقط حيث يشير عدوان إلى أن القهر يمحو الفروقات بين الإنسان والحيوان، فالإنسان يفقد قدرته على التفكير النقدي ويصبح سلوكه غريزيًا كالحيوان، لكن بأدوات أكثر وحشية ، وهو يستشهد بمجازر صبرا وشاتيلا في لبنان حيث تحول المشاركون فيها إلى "وحوش" بفعل الكراهية المتراكمة والترويض السلطوي .
ويشرح اهم القضايا وآليات تحويل الإنسان إلى "حيوان"منها
*الخوف والجوع: فيشرح عدوان كيف تُستخدم أدوات مثل الحرمان من الطعام والتعذيب الجسدي لترويض الضحايا، مما يغير من بنيتهم النفسية ويجعلهم خاضعين .
*التعذيب النفسي : وذلك عبر وصف تعذيب السجناء الاخرين الذين تم تسجيل اعترافاتهم حتى يفقدوا وتحويل اسمائهم لمجرد أرقام، مما يُفقدهم الإحساس بالذات .
يشرح عدوان نظرة الأنظمة الاستبدادية وكيف تتعامل مع التعليم والثقافة كأدوات للسيطرة على المجتمع وضمان استمرارية حكمها فهي تسعى إلى تشكيل وعي الأفراد بما يخدم مصالحها، بدلاً من تعزيز التفكير النقدي والاستقلالية الفكرية يمكن تلخيص تعاملها مع التعليم والثقافة في النقاط التالية، مع بعض الأمثلة التاريخية والحديثة:
* السيطرة على المناهج التعليمية ..حيث تقوم الأنظمة الاستبدادية بتوجيه المناهج التعليمية لخدمة أيديولوجيتها، مع حذف أو تحريف أي محتوى يتعارض مع سرديتها الرسمية، مثال على ذلك في ألمانيا النازية تم تعديل المناهج الدراسية لتعزيز الفكر النازي وتصوير الألمان على أنهم "العرق المتفوق" مع التركيز على تمجيد هتلر، ومن الأمثلة من العصر الراهن ففي كوريا الشمالية يتم تعليم الأطفال منذ الصغر أن زعيم البلاد شخصية شبه إلهية وأن النظام الحاكم لا يمكن التشكيك فيه.
* تقييد حرية البحث الأكاديمي.. فتمنع الأنظمة الاستبدادية البحث في القضايا الحساسة.
Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP